عقولنا كيف ترى التصاميم؟ مبادئ جشطالت في التصميم:

في عالم التصميم، لا يقتصر الأمر على مجرد ترتيب العناصر بشكل عشوائي، بل هو فن وعلم يعتمد على فهم كيفية إدراك العقل البشري للمعلومات المرئية. وهنا تبرز أهمية “مبادئ جشطالت”، وهي مجموعة من القواعد المستمدة من علم النفس الجشطالتي، والتي تفسر كيف يميل دماغنا إلى تنظيم العناصر المرئية المتناثرة في مجموعات وأنماط متماسكة وذات معنى. كلمة “جشطالت” (Gestalt) هي كلمة ألمانية تعني “الشكل” أو “الهيئة”، وجوهر نظريتها هو أن “الكل أكبر من مجموع أجزائه”.

بالنسبة للمصممين، سواء في مجال التصميم الجرافيكي، تصميم واجهات المستخدم (UI)، أو تجربة المستخدم (UX)، فإن فهم وتطبيق هذه المبادئ يعد أمراً حاسماً لإنشاء تصاميم ليست فقط جميلة من الناحية الجمالية، ولكنها أيضاً فعالة وسهلة الفهم والتفاعل معها.

أهم مبادئ جشطالت في التصميم:

فيما يلي شرح لأبرز مبادئ جشطالت مع أمثلة توضيحية لتطبيقاتها في التصميم:

1. مبدأ التقارب (Proximity):

ينص هذا المبدأ على أن العناصر المتقاربة من بعضها البعض في الفضاء يُنظر إليها على أنها تنتمي إلى مجموعة واحدة أكثر من العناصر المتباعدة. المسافة بين العناصر تلعب دوراً حاسماً في تحديد العلاقات بينها.

• في التصميم: يستخدم هذا المبدأ لتنظيم المحتوى بشكل منطقي. على سبيل المثال، في تصميم صفحة ويب، يتم وضع عنوان الفقرة بالقرب من الفقرة نفسها، وترك مسافة أكبر بينها وبين الفقرة التالية، ليدرك المستخدم أن هذا العنوان مرتبط بهذه الفقرة تحديداً. وبالمثل، في قائمة التنقل، يتم تجميع الروابط ذات الصلة معًا.

2. مبدأ التشابه (Similarity):

يميل عقلنا إلى تجميع العناصر التي تتشابه في خصائصها المرئية، مثل اللون، الشكل، الحجم، أو الملمس، معًا. نحن نفترض أن الأشياء المتشابهة لها نفس الوظيفة أو الغرض.

• في التصميم: يُستخدم هذا المبدأ لخلق التناغم والاتساق. على سبيل المثال، يتم تصميم جميع الأزرار القابلة للنقر في موقع ويب بنفس اللون والشكل للإشارة إلى أنها تؤدي وظيفة مماثلة. كما تُستخدم نفس الأيقونات أو الألوان لتمييز أنواع معينة من المحتوى.

3. مبدأ الإغلاق (Closure):

يميل الدماغ البشري إلى إكمال الأشكال غير المكتملة أو الناقصة لتكوين صورة كاملة ومألوفة. نحن نملأ الفجوات تلقائياً لنرى “الكل” بدلاً من الأجزاء المتفرقة.

• في التصميم: يُستغل هذا المبدأ بشكل إبداعي في تصميم الشعارات والأيقونات. على سبيل المثال، شعار شركة “IBM” يتكون من خطوط أفقية زرقاء، لكننا ندرك على الفور الأحرف الثلاثة. وبالمثل، يمكن أن يقترح جزء من أيقونة على وجود شكل كامل، مما يجعل التصميم أكثر إثارة للاهتمام بصرياً.

4. مبدأ الاستمرارية (Continuity):

تفضل أعيننا أن تتبع المسارات والخطوط والمنحنيات السلسة بدلاً من التوقف عند الانقطاعات أو التغيرات المفاجئة في الاتجاه. نحن نميل إلى رؤية العناصر المرتبة في خط أو منحنى على أنها مرتبطة ببعضها البعض.

• في التصميم: يُستخدم هذا المبدأ لتوجيه نظر المستخدم عبر التصميم. على سبيل المثال، يمكن استخدام خط منحني لتوجيه العين من قسم إلى آخر في صفحة الويب. كما يظهر في تصميم الشعارات حيث تتدفق العناصر بسلاسة، مثل شعار “كوكاكولا” الذي يشجع العين على متابعة حركة النص.

5. مبدأ الشكل والأرضية (Figure-Ground):

يميل عقلنا إلى فصل العناصر المرئية إلى شكل (Figure) وأرضية (Ground). الشكل هو العنصر الرئيسي الذي نركز عليه، بينما الأرضية هي الخلفية التي يقع عليها هذا الشكل.

• في التصميم: هذا المبدأ أساسي في خلق التباين والتركيز. يجب أن يكون العنصر المهم (مثل زر الدعوة لاتخاذ إجراء “Call to Action”) بارزاً كـ “شكل” مقابل “الأرضية” الأقل أهمية. تُعد المساحات البيضاء (أو السلبية) جزءاً مهماً من الأرضية التي تساعد على إبراز الأشكال الرئيسية.

6. مبدأ التناظر والنظام (Symmetry and Order):

نحن نميل إلى إدراك الأشكال المتناظرة على أنها مستقرة وكاملة ومتماسكة. التكوينات البسيطة والمنظمة تكون أسهل في الفهم والمعالجة من التكوينات المعقدة والفوضوية.

• في التصميم: يساعد التناظر في خلق شعور بالتوازن والانسجام. تُستخدم الشبكات (Grids) في تصميم المواقع والتطبيقات لترتيب العناصر بشكل منظم ومتناظر، مما يسهل على المستخدمين استيعاب المعلومات.